| صراع |
يقفان مواجهان بعضهما، كلاً منهما يحمل أسلحته وتحيط به دفاعاته، يستجمع كلاً منهما جيوشه، يدرسان جيداً نقاط ضعف بعضهما، ويبدأ الصراع بينهما في معركة لا هوادة فيها ولا رحمة، يقتحمان دفاعات بعضهما، ليس شعارهما البقاء للأقوى فكلاهما باقيان حتى مفارقتي الحياة، ولكن شعارهما؛ الحكم للأقوى.
يقفان هذان الشخصان المتناقضان، المختلفان عن بعضهما كل الاختلاف، يقفان داخلي، يقتسمان مشاعري، يتشاطران نبضات قلبي، لا يُعيرني أياً منهما أي اهتمام، وكأنني حاملاً لفيروسان يتصارعان حول امتلاكي، فمن ينجح في هزيمة الآخر، ويفتك به، هو من يفوز باستلام زمام الأمور والحكم.
صراعً يحدث داخلي باستمرار يفقد فيه أحد هذان الشخصان دفاعاته فيهزمه الأخر فيستسلم حتى صراعاً آخر يفوز فيه المهزوم في المرة السابقة، وهكذا تستمر صراعاتهما ومعاركهما التي لا تنتهي.
وبين الحين والآخر تتسع رقعة الحروب والصراعات داخلي حتى أصبح كامل قلبي ساحةً للمعارك والصراعات القاسية، التي لا فوز فيها يدوم، ولا خسارة.
يبتعد عني كل ما يقربني من نفسي، فأنا منقسماً إلى اثنين لا يندمجون ابداً ليُشكلوا واحداً فأُصبح إنسانً حر غير مستذَل، غير متخبط بين اثنين يتقسامونني ولا أحداً منهما يرضى بالقسمة، فكلاً منهما يُريد الاستحواذ الكامل بدون أي شريك، يتقاتلون يومياً بلا توقف طامحين طامعين في الفوز الساحق.
شخصان مختلفان يتبادلان الكره المقيت لا يجمع بينهما أي صفات أو أشياء ولو بسيطة، فلا يجمع بينهما سوى الاختلاف في كل شيء.
حاولت كثيراً أن أُصلح بينهما فيجتمعان ويعودان شخصاً واحداً كما كانا منذ زمنٍ طويل، لا أتذكر منذ متى، فهي سنين كثيرة.
ودائماً ما كنت أفشل فشلاً زريع، ومع كل فشل تزداد كراهية كلاً منهما للآخر، حتى أصبحوا ألد الأعداء لبعضهما، تزداد أنانية كلاً منهما، وبُغضهما وغضبهما في كل فشل أصنعه عند اجتماعهما للصلح، حتى أصبحا كوحشين ثائران، يُمثل كل منهما للآخر العدو الذي يحتل المرتبة الأولى في قائمة الأعداء، والصورة الأكثر كُرهاً ومقتاً وقبحاً للآخر.
هكذا صرتُ؛ شخصاً منقسماً إلى شخصين مختلفين، لا حد لما يحملانه من مشاعر في غاية القبح، والقسوة، والكره والمقت، والغضب اللعين الذي يفرغانه في بعضهما، فيصب في نهاية الأمر في قلبي، ذاك المكان الذي أصبح ساحة المعارك والصراعات خاصتهما.
أصبح داخلي اثنين لا يتقبلانَ وجودي، ولا يتقبلان وجود بعضهما، بلا انهما يكرهان وجود ذاتهما في هذه الحياة وفي ذاك القلب الهش، الذي لم يعد يتحمل، ذاك القلب الذي لم يعد قادراً على المضي قدماً في تلك الحياة البائسة التي نعيشها سوياً، تلك الحياة التي لا أحلام فيها تُحقق، ولا قلوبَ فيها صادقة، تفي بما توعد، حتى ملامح الناس لم تعد صادقة، فأصبح الجميع يُتقن تغيير تعابير وجهه كيفما شاء، فإذا كذب رسم الصدق على ملامحه، وأن ضحك رسم البكاء، وإن وعد رسم الوفاء، فلم يعد هناك للصدق مجال، لم يعد للحب متسع، لم يعد للوفاء مكاناً يحمله، لم يعد هناك سوى الكذب في كل شيء
فقدت كثيراً من المشاعر المضيئة التي كانت تُضيء داخلي فتجابه ظلمات يأسي، ولكن زادت داخلي مشاعر أخرى كثيرة لم أعد احتملها، مشاعر تشكلت وانقسمت إلى شخصين لا يتركونني بل يستعمرونني طوال الوقت، في يقظتي وفي نومي، ولا وقت يمر داخلي دون صراع بينهما.
كل أوقاتي مليئة بالصراعات التي شوهت قلبي وأعجزته فبلغ من الآلام، والتحطم، والانكسار، والانهزام، والفقدان، والحرمان، والوحدة فالتوحد، ما جعله بلغ الألف عام نبضاً وروحاً.
فصراعاً تلو الآخر وهزيمةً تلو الأخرى، حتى ذبلت ملامحه وخفت نبضه وسقطت آماله، فلم يبقى ما يملئ اتساعه، سوى الصراعات.
Ibrahim Said
إبراهيم سعيد