التصنع
لا تتصنع
التصنع شيئاً سيء جداً، لا يعود عليك بأي فائدة بل على العكس تماماً فإنه يزيدك تعاسة وحزن وضيق وغضب وسخط على كل شيء، فأنت تعيش بشخصية وصفات ومشاعر غير شخصيتك وصفاتك ومشاعرك، أشياء كلها مناقضة للحقيقة.
تصنع الشخصية
وأحياناً التصنع يكون تقمصاً دائم لشخصية مختلفة كل الاختلاف عن شخصيتك التي تميزك عن غيرك، وصفاتك التي تتصف بها، فتكون مؤدياً لتلك الشخصية كممثل أتقن الدور من كثرة تأديتك له، فتندثر شخصيتك الحقيقية أمام الناس، تختفي صفاتك الحقيقية وردودك الطبيعية، ومشاعرك التلقائية الطبيعية التي تشعر بها في كل الأمور، في كل موقف تمر به، وكل موضوع له رد فعل داخلك، داخل قلبك الذي يُخرج تلك المشاعر معبراً بها والتي تختفي أمام الناس وتظل مكتومة صامتة لا تخرج نتيجة التصنع، والتي أحياناً تتصارع داخلك مع تلك الشخصية المزيفة في نفس الوقت الذي يحدث فيه أمر ما أو موقف تمر به، ولكن تُخرِص وتَكتُم تلك المشاعر وردود الأفعال الحقيقية داخلك، فلا تُخرِجها ولا تُظهرها أمام الناس.
ولكن في أخر كل ليلة قبل أن تنام تأتي إليك شخصيتك الحقيقية فتتصارع هي وشخصية التصنع المزيفة التي تتعامل بها مع الناس، والخاسر الوحيد في هذا الصراع هو أنت، بما تشعر به من انقسامات داخلك، ومشاعر تحطمك وتقسمك، فتصبح كما لو كنت أكثر من شخص في شخصاً واحد كلهم يتصارعون مع بعضهم.
التزييف
والتصنع هو وسيلة يستخدمها الإنسان أحياناً لتمسكه ببعض الناس أو ببعض الأشياء التي يحبها ولا يتصور الحياة بدون وجودها، فمثلاً الشخص الذي يحب شخصاً آخر ويتصنع بعض الصفات التي يحبها ويعشقها الطرف الأخر ظناً منه أنه بذلك لن يفقده في حين أن التصنع هذا يكون السبب الرئيسي في فقدان الطرف الأخر، فظهور الشخص بصفات غير صفاته وشخصية غير شخصيته لن تسبب له إلا الفقدان، فقدان نفسه قبل فقدان ما يُحب ومن يُحب، فمهما كانت قيمة الشخص الذي تحبه إن لم يكن يحبك كما أنت بشخصيتك الحقيقية وصفاتك، إذن خيراً لك وللشخص الآخر أن يذهب كلاً منكما في طريق مختلف عن الآخر، فلا حب يدوم بخداع ولا حب يحميه التصنع ولا حب يبقى مع كذب يزداد ويكبر يوماً بعد يوم وتظهر حقيقته يوماً فينتهي كل شيء بكراهية كبيرة لم تكن أبداً لتكون لولا التصنع الذي تسبب في التظاهر كذباً بأشياء وصفات غير حقيقية.
إن كان التمسك بالأشخاص والأشياء سبباً في التصنع وإن كانت حياتك بشخصك الحقيقي وصفاتك الحقيقية سبباً في ابتعادهم، فلا خير لك معهم إن لم يكن وجودهم على أساس الحقيقة والصدق، لا خير لك فيمن تتظاهر من أجله بأشياء ليست بك، فقط لأنك متمسكاً به، فمن أكثر العلاقات الإنسانية نجاحاً هي هذه العلاقات المبنية على الصدق والصراحة.
فمثلاً في علاقات الحب، إن تصنعت شخصية من أجل شخصاً ما، وتصنعت صفاتاً يحبها الشخص الآخر ظناً منك أنك بذلك تحافظ على وجوده معك، حتى تتزوجوا ويجمعكما بيتاً واحد، فهذا خطأ كبير ستندم عليه فيما سيأتي تالياً، فبعد زواجكما ومع مرور الوقت ستظهر وتضح صفاتك الحقيقية أو بمعنى آخر ستختفي الصفات التي كنت تتصنعها من أجل هذا الشخص، فيلاحظ انك كنت تخدعه وأن تلك الصفات التي تظاهرت بها كانت هي أهم الصفات التي يحبها فيك والتي من أجلها أحبك وكان يبادلك مشاعر الحب، وقتها عندما تختفي تلك الصفات يختفي الحب تدريجياً على حسب الظروف والحياة التي تعيشونها، فتنقلب الحياة عكس ما تصورت من حب وسعادة إلى كراهية وتعاسة، فإما تنتهي بحياة زوجية مستمرة يملؤها البُغض والكراهية والتعاسة، أو تنتهي بفراق يملؤه البُغض والكراهية أيضاً، وفي كلا النهايتين أنت الخاسر.
ومع كثرة التصنع في حياتك لن تجد الراحة في أي شيء، ومع مرور الوقت لن تعرف من أنت، فقط ستشعر أنك لست سعيداً في حياتك، وأن هذه الحياة لا تناسبك ولا تشعر بها، كما لوكنت ترتدي ملابس ضيقة جداً فلا تستطيع التنفس وأنت ترتديها إلا بصعوبة بالغة، فلا تتصنع شيئاً لا تجيده، ولا تتصنع صفة ليست من صفاتك، ولا تتصنع حياة ليست حياتك، ولا تتصنع حباً لا تشعر به ومشاعر لا تعيشها حقيقة.
عش كما أنت، بصفاتك وبما تشعر به وبما تملكه وبما تعيشه، كن بسيطاً غير متصنع لأشياءً وصفاتً تؤذيك قبل أن تؤذي غيرك (لا تتصنع).
إبراهيم سعيد
Ibrahim Said