| اندثار |
في خضم الصراعات التي اخوضها في أعماق الليل السحيق، أُحَارَب من مئات الجبهات، بلا رحمة، أو وقتٍ مستقطع لالتقاط الأنفاس، فأعدائي في تلك الصراعات لا حصر لهم، ولا مقياس لمدى تأثير ضرباتهم الموجعة، أعدائي لا وجوه لهم، فهم أشباحً لا يرتدون وجوهاً تُظهِرُ ملامحهم، عندما أراهم ارتعب من رؤيتهم، رغم أنني ابتعد عنهم قدر الإمكان، خوفاً من أن يُلحِقوا بي الهزيمة، ويسحقون ما تبقى لدي من أمل.
أسماءهم تدب في النفس القشعريرة والرعب؛ كاليأس، والألم، والأحزان، والهموم، والأوجاع، والضياع، يجتمعون جميعاً متعاونين ومتفقين على إزهاق روح أملي الضعيف، ونبض قلبي الذي يخبو تدريجياً.
في أعماق الليل الحالك، تجتمع تلك الأشباح المُرعبة، لتقهرني، لتراني وأنا لا حول لي ولا قوة، لترى اندثاري، لتراني اندثر ببطيء، شيئاً فشيء، يندثر داخلي كل ما يربِطُني بالواقع، فرغم قسوة الواقع ألا انه جنةٌ خضراء مقارنة بهذا العالم الثاني، وهذا الرعب الدامي، وتلك الأشباح الباردة برود الثلوج، شديدة القسوة كصخور الجبال المدببة، ذات أسنانٍ حادة كالسيف، تقطع كل نبضٍ داخلي وتشطره نصفين.
ليس هناك أي دفاعات تمنعهم من أسري وإذلالي، ولا يتركوني حتى أخرج من هذا الليل الحالك شديد السواد، فاقداً الوعي، مُغيَباً عن كل ما ومن حولي، أخرج وقلبي يَجُرُ في قدميه من الهزيمة التي لا وصف لها، مُشتَتاً، مُبعثَراً، ومُبعثَرةً مشاعري التي توشك ان تَلفظُ أنفاسها الأخيرة من تلك الضربات المميتة، التي تعرضت لها من تلك الجيوش الجرارة، التي لا قِبل لنا بمحاربتها، تلك الجيوش التي لا تخسر مطلقاً أمامي ولا يسقط منها جنداً واحد من جنودها.
فكيف لنا ان نتغلب على تلك الأشباح المُرعبة، ونحن أضعف من أن ننظر حتى إليهم، نُكابر أمامهم ونقف شبه صامتين، مستعدين، ليس لمحاربتهم أو الفوز عليهم، بل للخسارة والانهزام أمامهم.
نندثر ونندثر حتى يصبح الاندثار هو النتيجة الوحيدة لمواجهتنا لهم، أو التفكير في مواجهتهم، فلا نأخذ من جرأتنا وشجاعتنا الا الهزيمة الساحقة، وحتى ان صمتنا، نموت قهراً من وجودهم وتعذيبهم لنا، ففي الحالتين لا نخرج إلا بنهاية واحدة من ذاك الليل الحالك، وهي الاندثار ببطئ، بدون أي صوت أو حركة تدل على ما عانيناه، هكذا أعيش كل ليلة واندثر في نهايتها، ولا يبقى لدي شيئاً استعين به على الوقوف بمشاعري المنهكة، ونبضات قلبي التي تخبو في ظلمات الألم البغيض وأصدقائه اللعناء؛ إلا الدعاء إلى خالقي، بأن تأتي الليلة القادمة وأستطيع أن أهزم تلك الأشباح، أو أتعادل معهم في النصر والهزيمة؛ أن أجد من يُشاركني ويكون بجانبي، فيزيدني قوة، ويعطيني أملاً جديد، قوي، لا يهزمه شبحاً من تلك الأشباح اللعينة، القبيحة، ذات الهيئةُ المرعبة، والعيون المليئة بالشر والمكر، أدعو ربي أن يُنهي هزائمي بنصراً واحد، لا هزائم بعده ولا اندثار.
إبراهيم سعيد
Ibrahim Said