إعلان الرئيسية

(العتاب الأخير)


مرت الأيام سريعاً، الشهور والأعوام ! لا أدري كيف أصبحت في هذا العمر وأنا الذي وُلدتُ بالأمس، وأصبحت اليوم كهلاً عجوزاً، عمراً وقلباً وروحاً !.
كيف وصلت إلى هذا المنحدر الأخير؟! وكيف صارت بيَ الدنيا إلى هذا الحال المُحزن، إلى هذا الحوار الأخير بيني وبينك أيها القلب العجوز؟! أيها القلب الذي أوديت بنا إلى المهالك، فضلت علينا كل من عرفت، تعاملت بلطف حين عاملوك بقسوة، كيف لك ان تعيش وانت لا ترد ولا تعاقب، وتدعهم يؤذوننا، وأذيتهم وقسوتهم تمر مرور الكرام.
يا من راعيت مشاعر من لا راعو فيك شيئاً، يا من تركت الباب مفتوحاً للجميع، فدخلوا وطعنوك وخرجوا وتركوكَ، تركوا خلفهم آلاماً تاركةً تلك الندبات التي تظهر واضحة فيك.
كيف صرتَ بهذا الوجه العبوس، الذي لا بشاشة فيه، ولا شيئاً يُعبر عن أي سعادة، أو أملاً ولو صغير، أسعيدٌ أنت بتلك الحالة التي أوصلتنا إليها، أيها القلب العجوز، بتلك الدموع التي تملئ مقلتيك وتلك الآلام التي تفتك بك، وتلك الأوجاع التي تُمزقك إلى ألف جزء.
لو كان بيدي أن أتركك، أو استبدلك لفعلت ذلك منذ أعواماً كثيرة مضت، فأنا ما كنتُ يومًا بخير وأنت معي، ما كنت بخير وأنت معي منذ ولادتنا، وأنت بداخلي.
لو استطعت أن اقتلعك من جذورك، من داخلي، لفعلت، حاولت وحاولت وحاولت، لا حصر لمحاولاتي معك، ان أُعُلمكَ وأتعلمُ معك، وأنصحُكَ، واُبصِركُ وأُفتح عينيك المغلقتين دائماً، كي نستطيع مجابهتهم، تلك القلوب المتوحشة التي لا رحمة بها، تلك الوجوه الكاذبة التي تخفي خلف تلك الابتسامات الساحرة، كيان شر لا إنسانية فيه ولا خير، وكنت دائماً تُعيقُ حركتي، بل وتجابهني وكأنني العدو اللدود.
أيها الغبي المُتكبرُ علي، على من يشعر بك، ويتألم بك، ووصل إلى حافة الانهزام والخسارة والقهر واليأس بوجودك داخلي، أنظر إلينا وتمعن، أترى كل تلك الذكريات التي تملئُكُ، تلك الذكريات القاسية التي كلما نسيناها، ذَكّرتنا بها فتذكرناها، وتألمنا بها.
هذا ما جنيناه، وهذا هو الحصاد الذي حصلنا عليه من تراكمات تلك السنوات، تلك المكافآت التي حصلت عليها، عش بها ما تبقى من وقتك الذي أشعر من خلالك أنه قليل القليل، ولتعرف أيها الكهل العجوز، أن هذا هو العتاب الأخير.

إبراهيم سعيد
Ibrahim Said
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق