| مع مرور العمر |
عندما يمر بك العمر سريعاً، وتصل إلى سِّنٌّ معين، ستجد أن بعض الأشياء التي كنت تتمناها " تافهة "!، صغيرة الحجم لا تستحق أن تُعيرها أي انتباه، ستجد أن هناك أشياءً أكثر أهمية تستحق أن تتحقق في هذا الوقت وهذا العمر الذي وصلت إليه.
فمعَ مرور الوقت وتقدم العمر، نرى أشياءً لم نكن نراها، نعرف أشياءً لم نكن نعرفها من قبل، نتمنى أمنياتٍ أخرى غير تلك الأمنيات التي أضعنا عمرنا في تمنيها، نحلم إذا كان هناك وقت، أو إذا كنا في وقتٍ يسمح لنا بالأحلام، أحلاماً غير تلك الأحلام التي حلُمنا بها فيما مضى، وأضعنا أيضاً أياماً وشهور وسنين في الحُلم بها، والسعي لتحقيقها.
دائماً ما تتغير نظرتنا، ومشاعرنا، وأفكارنا، اتجاه الأشياء والأحلام والأماني، والأهم من كل ذلك " اتجاه الأشخاص "، فمن كان مهم في السابق مع مرور الوقت تظهر أهميته عندما نرى أفعاله اتجاهنا، إن كان قد ظل واقفاً بجوارنا في الشدائد قبل الرخاء، في الحزن قبل الفرح، في المُر قبل الحلو، هنا نجد أن أهمية هذا الإنسان تزداد حتى يصبح ذو أهمية تنافس بل تتغلب على أهمية النفس والحياة.
دائماً ما تتغير نظرتنا، إلى هؤلاء الأشخاص الذين لطالما كنا ننظر إليهم فيما مضى على أنهم نجوماً في السماء إذا مشينا بجوارهم وكأننا نمضي بأقدامنا في الفضاء، عالياً بجوار تلك النجوم التي ننظر إليها من الأسفل رافعين رؤوسنا، سعداء بالنظر إليها، تتغير نظرتنا لنجدهم كالتراب الذي ندوس عليه بأقدامنا فيترك أثراً لأقدامنا ذاك الأثر الذي يصبحوا هؤلاء الأشخاص بنفس قيمته وحجمه على الأرض.
فمن نراهم ذوا أهمية كبيرة، ومن يعنون لنا الحياة، يمكن بعد بعض الوقت أن نراهم لا قيمة لهم، بل نضحك على أنفسنا حين كنا ننظر إليهم بتلك النظرة التي لا يستحقونها، فعندما تُزال الأقنعة، ومع مرور الأعوام تسقط الوجوه المزيفة، التي لا تدوم، مهما طال ارتدائها، ففي النهاية تسقط، فتظهر الحقيقة ظهور الشمس الواضحة لمن يرى، وتُسمع مدوية كصوت أمواج البحر العاتية، التي توقظ النائم، الذي ما كان له أملاً أن يستيقظ من تلك الغفلة الطويلة التي كان يعيشها.
العمر والأقدار غريبان جداً، لا ضمانة لهم ولا تنبأ بما يمكن لهما فعله بنا، فلا هناك شيئاً في تلك الحياة مضمون، وذلك بفضلهما " العمر والأقدار " فبعد سنين من الآن أنظروا لأنفسكم وما كنتم تحلمون به، وما كنتم تسعون لتحقيقه، أنظروا لأحلامكم التي مر عليها سنين طويلة، وأمانيكم التي كانت، ومن كنتم تحبون، ومن كنتم تتمنون البقاء بجوارهم وقضاء العمر بجانبهم، ومن كنتم تتجنبونهم حين أحبوكم، أو حين سعوا في الاقتراب والتقرب منكم، وأنتم ابتعدتم كلما اقتربوا حتى ابتعدوا متألمين، فاقدين كل أملاٍ في أن يكونوا معكم، انظروا إلى كل تلك الأحداث التي مضت، لتجدوا أن كل شيء قد اختلف كلياً، فمن كان قريباً صارا بعيداً، ومن كان ذو أهمية أصبح لا يعني شيئاً كأنه لم يكن من قبل، وتلك الأحلام والأماني؛ هل بقت قيمتها كما كانت، هل ما زالت هي ما تحلمون به في الحاضر؟
حتى من حقق حُلماً، هل مذاق الحُلم كما كان، كل شيئاً يتغير مع مرور الوقت والعمر، مشاعرنا، نظرتنا للأشياء، للأشخاص، للأحلام، للأماني، لكل شيء في حياتنا.
وتبقى أعمارنا وأقدارنا هي من توجهنا كما تشاء، نمضي كما نمضي، ولكن نمضي كما هو قُدّر لنا، نحلُم كما نحلُم، ولكن ما يتحقق من تلك الأحلام وما يدوم ويبقى هو قدراً؛ قدراً له الحكم الأشمل والأعم والأقوى في اختياراتنا.
فلا شيئاً يدوم كما هو، فدائماً ما تتغير نظرتنا كلما مر الوقت، وتقدم بنا العمر، ووصلنا إلى مرحلةً عمرية معينة، فكل مرحلة عمرية لها نظرتها الخاصة بها، التي ننظر من خلالها وبها.
فلا تستمر نظرتنا للأشياء والأشخاص كما هي، فغالباً ما تتغير مع مرور الوقت والعمر؛ هذه هي الحياة.
إبراهيم سعيد
Ibrahim Said