هل نظرت يوماً في مرآة ووجدت أن العُمر يُسابقك في منافسة غير عادلة؟!
فأنت غير كفؤ لتلك المنافسة، فالفارق بينك وبين عمرك كثيراً كثير.
عندما تنظر في المرآة، هل وجدت نفسك في إحدى المرات بلا ملامح واضحة تناسبك؟!
هذا ما يحدث لي يومياً عند النظر إلي في مرآتي، أجدُ نفسي في هذا السباق الزمني الذي أخسرهُ تدريجياً.
فكل يوم تظهر ملامح الخَسارة على وجهي، تظهر بين مسامته التي تتسع باستمرار، وتلك التجاعيد المجاورة لها، وشعر رأسي الذي بين خُصلاته تلمع تلك الشعرة البيضاء التي تجاورها شعرة أخرى يتغير لونها الشبابي إلى العجَز فتميل إلى البياض، وكذلك شعر لحيتي الذي أصبح يغزوه الشيب وهو يحاول مقاومته قدر الإمكان، لكن يبدوا أنه لا يُفلح فقد ظهرت ملامح الهزيمة عليه في شكل شُعيرات بيضاء.
عمري يمضي ولم أحقق شيء مما سعيتُ إليه، عمري يُسابقني يومياً ويسبِقُني دائماً فأنال الهزيمة، وينال هو الفوز الساحق السهل، فيتملكُني اليأس بعد حُزناً عميق يعتصر ما تبقى من ابتساماتٍ ميتة لا وجود لها إلا على وجهاً مستعار ارتديه حين أُخفي ما أعاني.
أما حينما أكون أمام المرآة وحدي، يتساقط وجهي المستعار، تتساقط لا مبالاتي، فأهتم بكل الأشياء التي أُظهِر للعالم أنني لا أُبالي بها، فيتغير كل شيء أمامي، وأدقق في كل التفاصيل فتعتريني أسوء المشاعر وأسوء كوابيس اليقظة التي لطالما عشتُها وما زِلت أعيشُا يومياً.
أسوء كوابيس اليقظة وهو سِباقُ العُمر، الذي دائماً ما أخسرُ أمامهُ، وما زِلت وسأظل أخسر حتى النهاية، فلا سبيل أمامي لهزيمته، وكل محاولاتي ما هي إلا تسلية له ليراني أُعاني وأتجرع سُم الهزيمة المرير، الذي أتجرعه في كل لقاءٍ بيننا، في كل ما يجمعُنا سوياً في هذه الحياة من مواقف وأحداث لا يسعُني فيها غير البكاء الصامت الذي لا صوت له إلا داخلي بين آلاماً تسري في عروق مشاعري وإحساسي الذي يتهاوى في قلبي مؤلماً إياهُ بشدة، فأنتفض وينتفض كل ما هو داخلي، فتتجسد مُعاناتي كملحمة حزينة يكتِبُها العمر على قلبي بقلمٍ ينحِتُ في مشاعري تلك اللوحة المُظلمة التي تجَمع داخلها كل ألوان الأسى والحزن والآلام، فتذبل مشاعري رويداً رويداً.
تلك المشاعر التي لا تعرف أي معنى للسعادة، فأي سعادةٍ هذه التي تعيش أمام تلك المآسي والآلام! فهي تموت من أول لقاءٍ بينهم، وأبقى معهم وحدي بعد موت سعادةٍ لم أرى حتى ملامحها جيداً.
أعيش أُسابق عُمراً يُسرِع كلما رآني أُحاول أن أقترب ولو قليلاً من اللحاق به، فيسبِقُني، مُحطماً كل آمالي وطموحاتي، هادماً كل أحلامي التي أحلُمُ بها أمام عينّي، فيتهاوى قلبي داخلي حزناً، ويعتصرني آلماً مُظلم لا أرى له أي ملامح لكي أصفهُ.
هذا ما أعيشهُ يومياً وأعانيه، في سباقاً غير عادل مُجبراً عليه ولست كفؤً له، فأنا ضعيفاً لا أملِكُ أي قوةٍ لكي أكون نِداً لهذا المنافس الذي لم ولن يعرف معنى الهزيمةَ مُطلقاً، فكيف لي الفوز على من يسبِقُني دائماً حتى قبل أن يبدأ السباق، فهو ليس سباقٌ عادي، وهو ليس أي مُتسابق، فأنا الإنسان، الخاسر دائماً وهو العُمر، الفائز دائماً.
إبراهيم سعيد
Ibrahim Said