إعلان الرئيسية

 

( الزفاف )

وقفت مكاني ثابتاً، صامتاً لا أحرك ساكناً مـن هذا المشهد الذي أراه أمامي فهذه هي حبيبتي التي ضحيت من أجلها بكل غالي ونفيس، التي من اجلها بقيت كالآلة أعمل ليل نهار لكي يجمعنا بيتاً من أربع جدران.
هذه هي الإنسانة التي قالت لي: سأظل معك مهما حدث وسأكون بجانبك في كل وقت في الشدة قبل الرخاء هذه هي حبيبتي التي أسست عليها كل آمالي وأحلامي والتي شاركتها بسمتي وأخفيت عنها تعبي وآلامي في أغلب الأوقات لكي لا تشعر بالآلم من أجلي أو هذا ما ظننته.

أراها الآن مع غيري في يوم زفافها ، يجلس بجوارها شخصاً أخر غيري هذه هي الفتاة التي حذرني منها الجميع، أهلي وأقاربي وأصدقائي ولكني لم أستمع إلى أحداً منهم وقاطعت كل من نصحني بالابتعاد عنها وفي هذا اليوم قالت لي أسرتي: تماسك يا بني فهي لا تستحق أن تندم عليها، إنساها وانسى كل ما كان، سيرزقك الله بأفضل منها أخرج اليوم مع أصدقائك وانسى كل شيء، والأيام قادرة على أن تنسيك إياها .

ولكني صممت أن أحضر زفافها لأرى في عينيها ردة فعلها عندما تراني وعندما رأيتها تذكرت أنا كل ما كان بيننا وكيف تعرفت عليها وكيف جاءت هي بعد هذا الوقت الطويل وتطلب مني الابتعاد، وأنه قدرنا أن لا نكمل مشوار الحياة سوياً قدرنا أن لا يجمعنا بيت هذا هو ما قالته لي، لا أدري أكانت تملئ وقت فراغها بي أم أنها أحبتني فعلاً، ولكن كيف أحبتني وتختار فراقي هذا هو ما جئت هنا من أجله، هذا هو ما أحضرني إلى هذا المكان في هذا الوقت السيء لأرى في عينيها شيئاً يريحيني غير هذا العذر الغير مقنع الذي قالته لي وهو الظروف والقدر وإنها في قمة الحزن والألم لفراقي ولكن هذا قرار أسرتها وهي لا تستطيع أن تخالف قرارهم. وقفت وبيني وبينها بعض المدعويين وأنا أنظر إليها من بعيد فإذ بي أرا هذا المشهد الصادم، أراها وفي في قمة سعادتها، تكاد تطير من الفرح وهي تتراقص مع هذا الرجل.

فتقدمت بخطوات بطيئة باردة وكلما اقتربت منها شعرت أني أختنق من شدة الألم وفي لحظة وقوفي أمامها تسمرت هي مكانها وكأنها رأت شبحاً، وتوقفت الموسيقى ونظر إلينا الجميع ووقف العريس ينظر إلينا.

وفي هذه اللحظة شعرت بارتياح وسعادة، شيئاً عجيب، من أحببت تتزوج من غيري وأنا سعيد لماذا ؟!
عرفت الإجابة وقتها، لأن هذه الفتاة ليست من أحببت فمن أحببتها صورة وهمية كانت في خيالي، فأنا أرا أمامي فتاة غيرها، مجرد ملامح جميلة من الخارج ومن الداخل لا يوجد بها إلا سواد وفراغ فابتسمت وقتها وأنا أمامها إبتسامة صافية صادقة، وهي تعرفها جيداً فوجدتها تنظر إلي بدهشة وأنا أمد يدي لهذا الرجل بجانبها وأبارك له وأنا أقول " ألف مبروك " وأدرت ظهري لهم ومضيت لأخرج من هذا المكان وأنا لا أنظر حتى إليها وترتسم على وجهي ابتسامتي، وعندما أوشكت على الخروج وجدتها تقول: ما الذي أتى بك الآن إلى هنا؟ فأدرت وجهي نحوها وأنا أقول: لكي أهنئكم وأبارك لكم ولأعرف إجابة لسؤال أتعبني وقد عرفت إجابته فقالت : ولماذا تبتسم هذه الابتسامة ؟ وما هو السؤال الذي جئت هنا لتعرف إجابته ؟ فضحكت وأنا أقول " لأنه يوم زفافك حبيبتي " والسؤال هو " لما تركتيني " ؟ فقالت: أأنت سعيداً من أجلي ومن أجل سعادتي " ؟ فقلت لها: لا لست سعيداً من أجلك إنتي, بل أنا سعيد من أجلي أنا ".

فنظرت إلي بدهشة وهي تقول " من أجلك " ؟! فأشرت بيدي على الزفاف والمدعويين والمكان وأنا مبتسم وأقول: " وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيراً لكم " ثم أشرت بيدي نحوها وأنا أقول " وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شراً لكم ".

وخرجت من هذا المكان تاركاً خلفي هذه الفترة التي مرت من عمري معها ، ولست نادماً عليها، تركتها هي خلفي وعينيها تفيض من الدموع وهي تقف ثابتة لا تتحرك من مكانها، خرجت من هذا المكان وأنا سعيد مبتسم وليس بي أي حزن أو ألم، خرجت وأنا أقول في نفسي " الحمد لله، الحمد لله ".


إبراهيم سعيد 
Ibrahim Said
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق